سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} يا محمد، {إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} روى الضحاك عن ابن عباس قال: لما عيرَّ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، أنزل الله عز وجل هذه الآية. يعني: ما أنا إلا رسول وما كنتُ بِدْعًا من الرسل، وهم كانوا بشرًا يأكلون الطعام، {وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ} وقيل: معناه وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قيل لهم مثل هذا أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق كما قال في موضع آخر: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} [فصلت- 43].
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي بلية، فالغني فتنة للفقير، يقول الفقير: ما لي لم أكن مثله؟ والصحيح فتنة للمريض، والشريف فتنة للوضيع. وقال ابن عباس: أي جعلت بعضكم بلاءً لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم، وتتبعوا الهدى. وقيل: نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع؛ وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم فرأى الوضيع قد أسلم قبله أَنِف، وقال: أُسْلِمُ بعده فيكون له عليَّ السابقة والفضل؟! فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام، فذلك افتتان بعضهم ببعض، وهذا قول الكلبي وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل، والوليد بن عقبة، والعاص بن وائل، والنضر بن الحارث؛ وذلك أنهم لما رأوا أبا ذر، وابن مسعود، وعمارًا، وبلالا وصهيبًا، وعامرَ بن فهيرة، وذويهم، قالوا: نسلم فنكون مثل هؤلاء؟. وقال: نزلت في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش، كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدًا من موالينا وأراذلنا، فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين: {أَتَصْبِرُون} يعني على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى.
{وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} بمن صبر وبمن جزع. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن، أخبرنا أبو العباس الأصم، حدثنا زكريا بن يحيى المروزي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه في المال والجسم فلينظر إلى مَنْ دونه في المال والجسم».


قوله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يخافون البعث، قال الفرَّاء: الرجاء بمعنى الخوف، لغة تهامة، ومنه قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح- 13]، أي: لا تخافون لله عظمة. {لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} فتخبرنا أن محمدًا صادق، {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} فيخبرنا بذلك. {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} أي: تعظموا. {فِي أَنْفُسِهِمْ} بهذه المقالة، {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} قال مجاهد: {عتوًا} طغوا في القول والعتُّو: أشد الكفر وأفحشُ الظلم، وعتوهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به. {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} عند الموت. وقيل: في القيامة. {لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} للكافرين، وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة، ويقولون للكفار: لا بشرى لكم، هكذا قال عطية، وقال بعضهم: معناه أنه لا بشرى يوم القيامة للمجرمين، أي: لا بشارة لهم بالجنة، كما يُبَشَّرُ المؤمنون. {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} قال عطاء عن ابن عباس: تقول الملائكة حرامًا محرمًا أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله إلا الله. وقال مقاتل: إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة حرامًا محرمًا عليكم أن يكون لكم البشرى. وقال بعضهم: هذا قول الكفار للملائكة. قال ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شدة رأوا ما يكرهون، قالوا حجرًا محجورًا، فهم يقولونه إذا عينوا الملائكة.
قال مجاهد: يعني عَوْذًا معاذًا، يستعيذون به من الملائكة.


{وَقَدِمْنَا} وعمدنا، {إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي: باطلا لا ثواب له، فهم لم يعملوه لله عز وجل. واختلفوا في الهباء، قال علي هو ما يرى في الكُوَّة إذا وقع ضوء الشمس فيها كالغبار، ولا يمس بالأيدي، ولا يرى في الظل، وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد، والمنثور: المتفرق. وقال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير: هو ما تسفيه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر. وقال مقاتل: هو ما يسطع من حوافر الدوابِّ عند السير. وقيل: الهباء المنثور: ما يرى في الكوة، والهباء المنبث: هو ما تطيره الرياح من سنابك الخيل. قوله عز وجل: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} أي: من هؤلاء المشركين المتكبرين، {وَأَحْسَنُ مَقِيلا} موضع قائلة، يعني: أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر النهار من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة. قال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وقرأ {ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم} هكذا كان يقرأ. وقال ابن عباس في هذه الآية: الحساب ذلك اليوم في أوله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة.
قال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، لأن الله تعالى قال: {وأحسن مقيلا}، والجنة لا نوم فيها. ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8